هذا المشروع هو مشروع توثيقي وأكاديمي يهدف إلى إعادة تعريف مصطلح “شوايا” الذي تم تحريف معناه وتوظيفه بطريقة سلبية في الخطاب العام السوري، خصوصًا منذ أواخر القرن العشرين. في ظل الاستخدام التحقيري لهذا المصطلح، أصبح من الضروري بناء مصدر موثوق وأكاديمي يشرح جذور الكلمة، تطورها، ودلالاتها الثقافية والاجتماعية، ويضعها في سياقها التاريخي الصحيح.
اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل أداة لإعادة إنتاج الواقع الاجتماعي. حين تُستخدم كلمة “شوايا” كوصف طبقي أو عرقي سلبي، فإنها تكرّس منظومة من التمييز الاجتماعي والسياسي والثقافي. هذا المشروع لا يهدف فقط إلى التفسير، بل إلى المقاومة الرمزية وإعادة بناء خطاب يحترم التعدد والتنوع داخل المجتمع السوري والمغاربي.
“شوايا” هي صيغة جمع تُستخدم في بعض لهجات المغرب العربي للإشارة إلى مجموعات رعوية أو قبلية تعيش على هامش الحياة الحضرية، وتعتمد على الرعي كمصدر رئيسي للعيش. الجذر “ش.و.ي” في اللغة العربية يدل على عملية الشواء (الطبخ)، وقد استُخدم مجازًا في بعض السياقات للإشارة إلى القبائل التي تعتمد على المواشي.
تاريخيًا، يُستخدم مصطلح “شوايا” (أو “شاوية” في بعض اللهجات) في شمال أفريقيا للإشارة إلى مجموعات بشرية تنتمي إلى بيئات رعوية أو شبه بدوية، تتوزع على نطاق واسع في دول مثل الجزائر وتونس وليبيا. ويعود الاستخدام الأول لهذا المصطلح إلى العصور الإسلامية المتأخرة، حيث بدأت تظهر تصنيفات اجتماعية ضمنية تميّز بين أهل الحضر وأهل البادية، وهو تمييز قديم عرفته معظم المجتمعات الإسلامية والعربية.
في الجزائر، على سبيل المثال، “الشاوية” هم سكان منطقة الأوراس، وينتمون إثنيًا إلى الأمازيغ، لكنهم يتحدثون لهجة شاوية عربية-أمازيغية هجينة، وينتمون إلى تراث قبلي مستقل عن المنظومة الحضرية الساحلية. في تونس، قد يُستخدم المصطلح أحيانًا للإشارة إلى قبائل الداخل التونسي ذات النمط الزراعي والرعوي، وإن كان أقل شيوعًا من الجزائر. أما في ليبيا والمغرب، فيظهر المصطلح بشكل نادر وغالبًا في كتابات الاستشراق الفرنسي لوصف المجتمعات غير الحضرية.
المصطلح لم يكن في يوم من الأيام مشحونًا بشحنة سلبية ثقيلة كما أصبح لاحقًا في السياق السوري. بل غالبًا ما استخدم بوصفه دلالة على الأصل القبلي أو نمط الحياة البدوي أو الزراعي لا أكثر.
العشائر السورية، خصوصًا في مناطق وادي الفرات، تشترك مع الشوايا المغاربيين في بعض الخصائص البنيوية: النظام القبلي، التوزيع الجغرافي على ضفاف الأنهار والمناطق الرعوية، الاعتماد على الزراعة وتربية الماشية، والتمركز خارج المراكز الحضرية التقليدية.
لكن الفرق الجوهري هو أن العشائر السورية عربية بشكل كامل، بينما كثير من قبائل الشاوية في الجزائر وتونس تنتمي إلى الأصل الأمازيغي، وإن تعرّبت لغويًا عبر القرون. ومع ذلك، فإن التشابه في النمط المعيشي جعل اللاجئين المغاربيين الذين قدموا إلى سوريا خلال فترات مختلفة (سواء بفعل الاستعمار الفرنسي أو موجات التضامن القومي العربي) يرون في عشائر الفرات السورية صورة مشابهة للمجتمعات التي يعرفونها، واستخدموا نفس المصطلح بشكل عفوي.
خلال الحقبة القومية العربية وصعود التيارات الناصرية والبعثية، استقبلت سوريا آلاف الطلاب والمتطوعين من دول المغرب العربي، خصوصًا من الجزائر وتونس وليبيا. هؤلاء دخلوا سوريا في سياق قومي وحدوي، لكنهم حملوا معهم مفاهيم وتوصيفات من بيئتهم الأصلية، منها وصف المجتمعات الريفية أو البدوية غير المتعلمة بـ”الشوايا” أو “الشاوية”. لم يكن في نيتهم الإساءة، بل كان تعبيرًا تلقائيًا عن الفروق الاجتماعية التي كانوا يعرفونها في بلدانهم.
مع التقاء هؤلاء الطلاب أو المقاتلين المغاربة بالمجتمعات العشائرية السورية، خاصة في دير الزور والرقة، لاحظوا نمطًا معيشيًا قريبًا من مجتمعاتهم الأصلية: الرعي، القبلية، البُعد عن الحضر، طريقة اللباس، وبساطة العيش. فبدأ المصطلح يُقال بصيغة تشبيهية: “هدول مثل الشوايا عنا”.
في هذه المرحلة، كان الاستخدام نادرًا، ومحصورًا في دوائر محددة (طلابية، حزبية)، ولم يكن شائعًا بين عامة السوريين.
مع تصاعد الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، خاصة من دير الزور والرقة إلى دمشق وحلب، ظهرت توترات اجتماعية بين الوافدين وسكان المدن. أبناء المدن الذين شعروا بتفوق حضري رمزي، بدأوا يبحثون عن طرق لتمييز أنفسهم عن القادمين الجدد، خاصة أولئك الذين يتحدثون بلهجة مختلفة ويحملون قيمًا عشائرية صلبة.
في هذا السياق، وبدون وعي بالأصل الجغرافي والثقافي للمصطلح، بدأ مصطلح “شوايا” يظهر تدريجيًا كمصطلح تحقيري. وانتشر على ألسنة الشباب في الجامعات، بعض المثقفين، وأحيانًا حتى ضمن كوادر أمنية وإدارية.
الخطير هنا أن الكلمة لم تُستخدم فقط كتوصيف جهوي، بل أصبحت تحمل دلالات طبقية وذهنية:
“شاوي” = غير متعلم
“شاوي” = عنيف أو متخلف
“شاوي” = لا يجيد التحضر
“شاوي” = تابع لقبيلة وليس للدولة
وبهذا تحوّلت الكلمة إلى سلاح رمزي يستخدم ضد أي شخص يخرج من تلك المناطق، مهما كان مستواه العلمي أو الاجتماعي.
مع تطور الدراما السورية وانتشارها عربيًا، بدأ الإعلام يضخ صورًا نمطية للشخص “الريفي” أو “العشائري”، وغالبًا ما يكون من منطقة الفرات. تم تقديم هذه الشخصيات على أنها ساذجة، عنيفة، غير عقلانية، أحيانًا مضحكة أو بدائية.
وإن لم تُذكر كلمة “شوايا” صراحة، فإن المضمون كان واضحًا: الريفي الفراتي = “الآخر” المختلف عن “المثقف الدمشقي” أو “الحمصي المهذب”.
ترافق هذا مع سياسات رسمية غير معلنة، منها:
تهميش مناطق الفرات اقتصاديًا.
تهميش تمثيلها الإعلامي والسياسي.
تحفيز التصنيفات المناطقية بدل من الهوية الوطنية الجامعة.
زرع ثقافة العار الاجتماعي المرتبط بالأصل، حيث يشعر القادم من دير الزور أو الرقة بضرورة إخفاء لهجته أو أصله.
بهذه الآلية، أصبح مصطلح “شوايا” يستخدم كأداة خطيرة لهدم الروابط الوطنية، وزرع الحواجز النفسية بين السوريين، وتعميق الشعور بالدونية لدى فئة كبيرة من أبناء الريف الشرقي.
ما حدث مع كلمة “شوايا” ليس مجرد تطور لغوي عفوي، بل هو نتيجة تفاعل بين:
من هنا تأتي أهمية مشروع alshwaya.com، ليس فقط لتصحيح المعنى، بل لإعادة الاعتبار لمئات آلاف السوريين الذين حوّلهم الإعلام والسياسة من فخر قبلي إلى مادة للسخرية المجتمعية.
في البداية، يجب أن نؤكد على أن المجتمع السوري، وخصوصًا في منطقة وادي الفرات، لم يكن يعرف مصطلح “شوايا” لا في ثقافته المحلية ولا في لغته اليومية. أبناء تلك المناطق يعرفون أنفسهم إما عبر انتماءاتهم العشائرية المباشرة، مثل الجبور والعقيدات والبوسرايا وغيرها، أو بوصفهم “عرب الفرات” أو “أهل الوادي”. هذا التوصيف كان كافيًا في سياق اجتماعي متماسك، يتسم بالفخر القبلي والروابط القروية والعائلية العميقة.
لكن مع التغيرات السريعة التي شهدها المجتمع السوري منذ منتصف القرن العشرين، بدأ نوع جديد من التصنيفات يظهر، قائم على المركزية الحضرية وتضخم الصورة الذاتية لسكان المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص. في هذه السياقات، أصبح يُنظر إلى الريف – وخصوصًا الريف الشرقي – باعتباره “الآخر” الأقل تحضرًا، الأقل تعليمًا، والأبعد عن النموذج الثقافي المسيطر في الدولة.
وهنا، بدأ التحول الدلالي لمصطلح “شوايا” داخل سوريا. الكلمة التي لم تكن تنتمي إلى اللغة المحلية، بدأت تُستخدم ببطء في الخطاب الشفهي، غالبًا بنبرة سخرية أو تقليل من الشأن. في البداية، كان استخدام المصطلح محدودًا في دوائر معينة، مثل الجامعات أو المجالس السياسية أو المخابرات، حيث كان يُطلق على أبناء دير الزور أو الرقة أو الحسكة بهدف تصنيفهم في طبقة “أدنى” من الطبقات الأخرى. هذا الاستخدام لم يكن له أي أساس لغوي أو اجتماعي محلي، بل كان مصطنعًا بالكامل، تم استيراده من شمال أفريقيا، ثم جرى تطويعه ليتناسب مع تصورات التراتب الطبقي داخل سوريا.
مع مرور الوقت، وخصوصًا في فترة الثمانينات والتسعينات، بدأ هذا المصطلح يتسرب إلى الخطاب العام. أصبح شائعًا بين بعض أبناء المدن الكبرى، خصوصًا بين فئات من الطبقة الوسطى التي كانت ترى نفسها “أقرب إلى الدولة” وأكثر قربًا من “النخبة الثقافية”، مقارنة بأبناء المناطق الريفية والشرقية. وتحول “شاوي” إلى اختصار لكل الصور النمطية السلبية: الشخص الغليظ، العنيف، المتخلف، العشائري، وحتى “غير الحضاري”. لم يعد وصفًا مجردًا لنمط سكني أو حياة قبلية، بل أصبح وصفًا نفسيًا واجتماعيًا يحتوي في طياته على أحكام إقصائية قاسية.
التحول الأخطر حدث حين بدأ هذا التوصيف ينسحب على مستوى السياسات والمؤسسات. في الخطاب الأمني والإعلامي السوري، صار هناك نوع من التصنيف غير الرسمي للمواطنين حسب أصولهم المناطقية، وكان لأبناء وادي الفرات نصيب كبير من هذا التصنيف. ظهرت فجوات واضحة في التمثيل الإعلامي، والوظيفي، وحتى الأكاديمي. من النادر أن ترى مذيعًا من دير الزور في التلفزيون الرسمي، أو مسؤولًا رفيعًا من أبناء الرقة يتحدث باسم الدولة. هذا التهميش لم يكن مصادفة، بل جزء من عملية فرز اجتماعي تُبنى على مفاهيم مثل “المدن أولًا”، و”الريف لاحقًا”، و”الفرات أخيرًا”.
الدراما السورية، التي لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وعي الجمهور، كرّست بدورها هذا التحول الدلالي. ظهرت شخصيات الريفيين في المسلسلات بشكل ساخر أو مهين، وكأنهم خارجون من التاريخ، لا يجيدون التعامل مع العصر، ولا يملكون رقيّ الحضر. لم يُستخدم مصطلح “شوايا” بشكل مباشر في النصوص، لكنه كان حاضرًا ضمنيًا في التوصيف واللكنة والحركة والمظهر. وهكذا، تكرّس المصطلح في الوعي الجمعي، ليس ككلمة عادية، بل كأداة تحقير تُقال عن أبناء منطقة بأكملها، رغم أن الكثير منهم متعلمون، مثقفون، وأصحاب تاريخ طويل في بناء سوريا الحديثة.
النتيجة الطبيعية لهذا التحول الدلالي كانت تفككًا ضمنيًا في الهوية الوطنية. فعوضًا عن أن يشعر المواطن من دير الزور أو الرقة أو الحسكة بأنه شريك متساوٍ في الوطن، بدأ يشعر بأنه مُصنّف، موضع سخرية، موصوم بكلمة لا تشبهه ولا تعبّر عنه، لكنها تلاحقه في الشارع، في العمل، وحتى في الإعلام.
وهنا تبرز ضرورة إعادة النظر الجذرية في استخدام هذا المصطلح. فهو ليس مجرد “كلمة”، بل كناية تحمل داخلها تاريخًا من التهميش، وسلاحًا ناعمًا تم استخدامه لهدم قيم التكاتف الاجتماعي، والإضرار بصورة واحدة من أعرق البيئات العربية في المشرق.
في المجتمعات التي تعيش ضمن نظام مركزي صارم مثل سوريا، غالبًا ما تتشكل علاقات القوة الرمزية بين “الحضر” و”الريف” بطريقة غير متوازنة. لا تقتصر هذه العلاقة على السيطرة الاقتصادية أو السياسية، بل تمتد إلى مجالات اللغة، والثقافة، والتصورات الاجتماعية. أحد أبرز أدوات هذه السيطرة الرمزية هو الوصم اللغوي، حيث تُستخدم كلمات معينة لوصف فئة اجتماعية بهدف تهميشها وإعادة إنتاج تفوق الفئة الأخرى. ضمن هذا السياق، برزت كلمة “شوايا” في سوريا بوصفها أداة حضرية خالصة لوصم الريفيين، وخصوصًا أبناء وادي الفرات.
أبناء الحضر – سواء في دمشق، حلب، حمص، أو اللاذقية – لم يستخدموا كلمة “شوايا” في الأصل، لكنها عندما بدأت تنتشر في أوساط معينة، تم تبنيها بسرعة، لا لأنها تعبّر عن حقيقة معينة، بل لأنها كانت توفر “وصفًا اختزاليًا” يُريح الوعي الطبقي لسكان المدن. أصبحت الكلمة تمثّل اختصارًا لغويًا لكل الصور النمطية السلبية التي يراد إلصاقها بسكان الريف: الجهل، الفظاظة، الفقر، الهمجية، والتخلف.
من خلال هذا الاستخدام، بدأت تتشكل صورة ذهنية لدى شريحة واسعة من سكان الحضر بأن “الشاوي” ليس فقط مختلفًا، بل أدنى. لا يتم تقييمه كفرد بناءً على أخلاقه، علمه، أو سلوكه، بل يتم الحكم عليه مباشرة بناءً على لهجته، ملامحه، اسم عشيرته، أو مكان ولادته. بهذا الشكل، صارت كلمة “شوايا” أداة قوية من أدوات الوصم الجماعي، واستُخدمت بشكل ممنهج لنزع القيمة الإنسانية والاجتماعية عن فئة كاملة من الشعب.
الأمثلة كثيرة:
في المدارس، كان يُهمس للطفل القادم من دير الزور أو الرقة بكلمة “شاوي” من زملائه كنوع من التنمر.
في الجامعات، كانت لهجة الفراتي محل سخرية خفية، وأحيانًا علنية.
في الوظائف، كان يُشاع بأن “الشوايا” لا يصلحون إلا للعمل اليدوي أو في الجيش، بينما تبقى المناصب الفكرية أو الإدارية لأبناء المدن.
حتى في الحياة اليومية، كانت الكلمة تُستخدم على لسان البعض كشتيمة مخففة، أو كطريقة لوضع شخص في موقع “أقل منك”.
المشكلة لا تكمن فقط في استخدام الكلمة، بل في السياق الذي يُراد تكريسها فيه. تم دعم هذا الوصم بحزمة من الصور النمطية في الإعلام والدراما، حيث نادرًا ما يُعرض رجل من دير الزور أو الرقة في دور طبيب، مفكر، أو رجل قانون. بل يُقدّم – إن وُجد – في أدوار قاسية، عنيفة، أو كوميدية سطحية، مما يساهم في تثبيت الصورة الذهنية السلبية في وعي المشاهد.
حتى حين بدأ أبناء المناطق المصنّفة “شوايا” بالنجاح في قطاعات العلم والاقتصاد، بقي الوصم ملازمًا لهم. يصبح الواحد منهم مضطرًا دائمًا لأن “يثبت أنه مختلف” عن الصورة النمطية، أن يُظهر “حضاريته”، أن يُخفف لهجته، أن يُنكر أصله أحيانًا، فقط ليُعامل على قدم المساواة.
هذا السلوك من أبناء الحضر لم يكن دائمًا نابعًا من شر مقصود، بل من فوقية ثقافية لا يشعر بها أصحابها، تغذيها الدولة المركزية والإعلام، وتُرسخها التربية والتعليم. إنها فوقية ترى في اللهجة الدمشقية “المعيار”، وفي الثقافة المدينية “القالب المثالي”، وكل ما هو خارج ذلك يُعتبر متخلّفًا أو على الأقل غير مكتمل التحضر.
باختصار، استخدام كلمة “شوايا” من قبل أبناء الحضر لم يكن مجرد تكرار لمصطلح، بل كان فعلًا سياسيًا اجتماعيًا ثقافيًا مقصودًا، هدفه تثبيت التفوق الرمزي لأبناء المدن، وتكريس موقع “الآخر الأدنى” لأبناء الريف الشرقي. وهذا الاستخدام ما زال حيًا في الوعي العام، رغم كل التغيرات التي شهدها المجتمع السوري، ويستدعي تفكيكًا واعيًا ومواجهة مباشرة، وهو تمامًا ما يسعى إليه موقع alshwaya.com.
إذا أردنا أن نفهم كيف تحوّل مصطلح “شوايا” من توصيف خارجي إلى وصمة داخلية حادة في الوعي السوري، لا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي لعبه الإعلام الرسمي والدراما السورية في هذه العملية. فاللغة التي يستخدمها الإعلام، والصور التي ترسمها الدراما، ليست مجرد تعبيرات ثقافية، بل أدوات إعادة إنتاج للواقع، وغالبًا ما تكون انعكاسًا لسياسات الدولة ومزاج النخب المسيطرة.
منذ سبعينات القرن العشرين، ومع تمدد التلفزيون السوري ليصبح الأداة الترفيهية والثقافية الأولى في البلاد، بدأت عملية تكوين صورة ذهنية موحدة “للمواطن النموذجي”، غالبًا ما يكون من سكان دمشق أو المدن الكبرى، يتحدث بلهجة معتدلة، يلبس بطريقة “حضارية”، ويتصرف ضمن قيم معينة يُفترض أنها تمثل “التحضر”. في المقابل، بدأت الدراما ترسم صورة نمطية حادة لكل من لا ينتمي إلى هذا النموذج، وعلى رأسهم أبناء الريف الشرقي، الذين أُلصقت بهم بشكل غير مباشر صفات التخلف، الجهل، الغلظة، وحتى البداوة غير المرغوب بها.
أولًا: عبر التمثيل الانتقائي
نادراً ما كان يتم تمثيل أبناء دير الزور أو الرقة أو الحسكة في المسلسلات السورية كأبطال رئيسيين أو نماذج إيجابية. وإذا ما ظهرت شخصيات من هذه المناطق، فهي إما بدوية شديدة اللهجة، أو شخصيات بسيطة فكريًا، أو ذات طابع كوميدي مبالغ فيه، بحيث تتحول إلى “نكتة بصرية”. بل إن استخدام اللهجة الفراتية نفسها – عندما يُسمح بها – كان يتم بطريقة مسطحة وسطحية تفتقر إلى العمق أو التقدير، وغالبًا ما تستخدم لإثارة الضحك أو إبراز “الاختلاف”.
ثانيًا: عبر الاستبعاد الرمزي
لم تظهر هذه المناطق لا في الحوارات اليومية، ولا في القصص الوطنية، ولا في الروايات الدرامية الكبرى. كأن سوريا كلها تنحصر بين دمشق وحلب واللاذقية. هذا الاستبعاد الرمزي ليس قلة حظ، بل نتاج سياسة ناعمة لتحديد من هو “الممثل للهوية السورية” ومن هو على الهامش.
ثالثًا: من خلال التكرار اللاشعوري لصورة “المتخلف الريفي”
سواء في الدراما الكوميدية أو الاجتماعية أو حتى الأمنية، كان هناك دومًا “الشخص الآخر”، المختلف في لهجته وسلوكه وتفكيره، وغالبًا ما يكون من الريف. لم يُسمَّ هذا الشخص دائمًا بـ”الشاوي”، لكن كان من الواضح أن ما يُراد تقديمه هو الصورة الكاريكاتورية للشخص الريفي الشرقي، المرتبك بين المدنية والعشائرية، العنيف حينًا والساذج حينًا آخر. هذه الصورة، التي تكررت في مئات الأعمال، زرعت في أذهان السوريين – وخاصة الأجيال الشابة – مفاهيم ضمنية ترتبط بالمكان واللهجة والهوية.
رابعًا: صمت الإعلام الرسمي مقابل توغل النكتة الشعبية
الإعلام الرسمي، سواء في الإذاعة أو الصحف أو التلفزيون، لم يعارض أبدًا هذا التوصيف. بل كان يُعيد تدويره أحيانًا من خلال “اللغة النخبوية”، حيث يُقدَّم أبناء بعض المناطق كـ”حالات خاصة” يجب فهمها أو التعامل معها بطريقة مختلفة. في الوقت نفسه، ترك المجال واسعًا للنكتة الشعبية والمسرح الكوميدي ليقوم بدوره في تعميم التحقير، من دون أي محاولة لتصحيح المسار أو خلق توازن.
كل ذلك حدث في ظل صمت مطبق من الدولة، التي من المفترض أن تكون الحامية لكرامة مواطنيها جميعًا. لكن الدولة، في الواقع، كانت مستفيدة من هذا التحقير الرمزي، لأنه يساهم في ترسيخ التراتب الطبقي والمناطقي الذي يسمح لها بضبط المجتمع وإعادة إنتاج السيطرة عليه. فحين يشعر أهل المدن بالتفوق الرمزي على أهل الريف، يصبح من السهل تبرير السياسات التمييزية التي تطال الريف: ضعف الخدمات، قلة المشاريع، تغييب التمثيل، وحتى الإقصاء من الذاكرة الوطنية.
في النهاية، لم يكن الإعلام السوري مجرد ناقل لصورة مشوهة عن “الشوايا”، بل كان شريكًا فاعلًا في إنتاج هذه الصورة. وساهم بشكل مباشر في تحويل كلمة دخيلة إلى علامة تحقير داخلية تُستخدم حتى اليوم لتصنيف أبناء منطقة كاملة، ليس بناءً على واقعهم، بل بناءً على صورة صنعتها عدسة منحازة وميكروفون انتقائي.
حين نتحدث عن مصطلح “شوايا” في السياق السوري، لا يمكن أن نفصله عن البنية السياسية والطائفية والاجتماعية التي حكمت سوريا لعقود. الكلمة التي تحولت إلى أداة ازدراء لم تولد من فراغ، بل هي نتاج تراكم طويل من السياسات التمييزية والتوجهات المركزية التي استهدفت بشكل مباشر أو غير مباشر العرب السنة، وبشكل أخص أبناء وادي الفرات.
وادي الفرات – الذي يشمل محافظات دير الزور، الرقة، وأجزاء من الحسكة – هو منطقة ذات أهمية تاريخية وجغرافية واقتصادية كبرى. غني بالمياه، بالنفط، بالزراعة، وبالنسيج الاجتماعي القبلي العميق. ورغم ذلك، فقد عانى أبناء هذه المنطقة من تهميش مزدوج: تهميش جغرافي واقتصادي، وتهميش سياسي وأمني.
منذ تولي حزب البعث السلطة، وخصوصًا بعد تثبيت نظام الأسد الأب في السبعينات، بدأت تتضح ملامح مركزية شديدة في إدارة الدولة. هذه المركزية كانت تتركز في دمشق، وفيما بعد امتدت بعض الشيء إلى حلب واللاذقية. مناطق الفرات، رغم مواردها الهائلة، بقيت خارج أولويات الدولة:
مشاريع التنمية الصناعية الكبرى لم تصل إليها.
الجامعات ومراكز البحوث والتعليم العالي أُهملت فيها.
البنية التحتية الأساسية (طرقات، مياه، كهرباء، صرف صحي) ظلت متأخرة لعقود مقارنة بباقي المحافظات.
الإعلام الرسمي لم يخصص أي اهتمام لإبراز هذه المناطق أو دعمها.
هذا التهميش لم يكن فقط نقصًا في الخدمات، بل كان انعكاسًا واضحًا لنظرة تقليل قيمة لسكان المنطقة، وكأنهم ليسوا على قدم المساواة مع “سكان الدولة المركزية”.
على المستوى السياسي، لم يُمنح أبناء المنطقة تمثيلًا حقيقيًا في مفاصل الدولة. صحيح أن بعض الشخصيات من دير الزور أو الرقة وصلت إلى مناصب في البرلمان أو حزب البعث، لكن وجودها كان شكليًا ومحدود الصلاحيات. المناصب العليا – خصوصًا في المؤسسات الأمنية والعسكرية – لم تكن تُمنح لأبناء هذه المناطق، إلا نادرًا، وبشروط صارمة من الولاء.
الأمن السياسي، والشُعب الأمنية الأخرى، تعاملت مع أبناء المنطقة دومًا بعين الشك. تم النظر إليهم كقوة كامنة قابلة للتمرد، بسبب طبيعتهم العشائرية وعروبتهم الصريحة، فكان الردّ هو الرقابة الشديدة والتقييد المستمر للحركة والمجتمع المدني والتعليم الحر.
من المهم إدراك أن غالبية سكان وادي الفرات هم من العرب السنة، أي من نفس النسيج الذي كان يُفترض أن يشكل قلب الدولة البعثية القومية. لكن مع تحوّل النظام تدريجيًا إلى حكم طائفي – يعتمد في مفاصله العليا على ولاءات طائفية ومناطقية معينة – أصبح العرب السنة في المناطق الطرفية يُنظر إليهم كخطر كامن، خصوصًا إن كانوا متمسكين بهويتهم القبلية أو الدينية أو الثقافية المستقلة.
فكان الردّ من النظام هو مزيج من السياسات التالية:
تهميش إعلامي وثقافي.
تشويه صورتهم عبر وصمات مثل “شوايا”، و”متخلفين”، و”عشائريين غير حضاريين”.
تضييق أمني دائم، مع حملات اعتقال ومراقبة ممنهجة.
استخدام التعيينات الحكومية كسلاح للولاء، وليس على أساس الكفاءة أو التمثيل العادل.
عبر هذا التهميش المنهجي، أصبح مصطلح “شوايا” أكثر من مجرد سخرية لفظية. لقد تحول إلى رمز ضمني للطبقة الدنيا داخل سوريا، فئة مهمشة، فقيرة، غير ممثلة، وغالبًا موضع استهزاء أو تجاهل. لم يكن الهدف فقط تقليل قيمة السكان، بل أيضًا تثبيت الفارق بينهم وبين باقي شرائح المجتمع السوري، خاصة سكان المدن والمناطق التي تحظى برضا النظام.
وهكذا، تشكّل تواطؤ غير مكتوب بين الإعلام والدولة والمجتمع المدني المديني على إعادة إنتاج هذه الصورة، في غياب أي تصحيح أو توازن من الدولة، بل برغبة منها في تكريس هذا الانقسام الرمزي.
ما نراه هنا ليس مجرد “تمييز مناطقي”، بل تهميش سياسي له أبعاد ثقافية وطائفية عميقة. إنه محاولة لنقل الصراع من صراع سياسي مشروع إلى صراع على “الهوية” بين طبقات المجتمع، تُختزل فيه فئة كبيرة من السوريين بكلمة واحدة: “شوايا”.
في مجتمعات مثل سوريا، حيث تلتقي الانتماءات الدينية والعرقية والمناطقية والطبقية في شبكة معقدة من العلاقات والتوترات، تصبح اللغة أداة بالغة الخطورة. لا تُستخدم فقط للتواصل، بل أيضًا لترميز مواقع الناس داخل هذا الهيكل الاجتماعي والسياسي. ومن هنا، فإن مصطلحًا مثل “شوايا”، رغم بساطته الظاهرية، تحوّل إلى رمز مكثف لموقع اجتماعي أدنى، وبطريقة ممنهجة جرى ربطه بعناصر الطائفية والطبقية معًا.
حين يُطلق مصطلح “شاوي” في الخطاب السوري الشعبي، فإنه لا يُقصد به فقط الانتماء المناطقي (أي إلى وادي الفرات أو الريف الشرقي)، بل يُراد به أيضًا التعبير عن مكانة اجتماعية أقل. الصورة الذهنية المرتبطة بالكلمة هي لمواطن فقير، بسيط، غير متعلم، محدود الأفق، يعيش في بيئة قبلية مغلقة، بعيد عن “التمدن”. هذه الصورة لا تُبنى فقط على الواقع المعيشي، بل تُفرض فرضًا، حتى لو كان الشخص من خلفية تعليمية ومهنية محترمة.
النتيجة أن الكلمة أصبحت كناية طبقية:
في الجامعات، يُنظر للطالب “الشاوي” كمحدود ثقافيًا.
في العمل، يُستبعد غالبًا من مواقع القيادة أو التأثير.
في الزواج، يُرفض تحت ذريعة اختلاف “المستوى”.
هذا النوع من الفرز الطبقي غير الرسمي – المدعوم بالصور النمطية التي كرّستها الدراما – خلق طبقة رمزية غير معلنة، حيث يصبح “الشاوي” رمزًا للفئة المهمشة، ليس بفعل وضعه الحقيقي، بل بسبب ما تم إلصاقه به ثقافيًا واجتماعيًا.
رغم أن كلمة “شوايا” لا تحوي في ظاهرها دلالة طائفية، فإن استخدامها في السياق السوري يحمل شحنة طائفية مضمرة. أغلب من يُطلق عليهم هذا اللقب هم من العرب السنة في وادي الفرات، وهي منطقة لطالما نظر إليها النظام السوري بعين الريبة، ليس فقط بسبب بعدها الجغرافي، بل بسبب تركيبتها السكانية المحافظة والقبائلية.
خلف الاستخدام العلني للكلمة، تكمن نظرة طائفية مستترة ترى في أبناء هذه المنطقة “مهددين محتملين” للوضع القائم، أو “غير مندمجين” في سردية الدولة المركزية. لذا فإن استعمال كلمة “شوايا” كأداة ازدراء اجتماعي، يتقاطع موضوعيًا – إن لم يكن مقصودًا دائمًا – مع منطق طائفي يُقصي المكون السني-العشائري لصالح المكونات المرتبطة بالسلطة.
الأمر يصبح أكثر وضوحًا حين نلاحظ أن المصطلح لا يُستخدم لوصف الفقراء من طوائف أو مناطق أخرى. فلا يُطلق مثلًا على الفقراء في طرطوس أو السويداء أو اللاذقية كلمة مهينة عامة تُختزل بها هويتهم. وهذا يوضح أن “شوايا” ليست فقط توصيفًا لطبقة، بل تصنيفًا سياسيًا ضمنيًّا يرتبط بطائفة محددة، وبمنطقة يُنظر إليها كخزان بشري محتمل للمعارضة أو التمرد.
التحالف غير المعلن بين الخطاب الطبقي والطائفي هو ما جعل مصطلح “شوايا” فعّالًا في إعادة إنتاج منظومة السيطرة داخل سوريا. فمن خلال هذه الكلمة البسيطة، جرى اختزال فئة واسعة من الناس، والتقليل من شأنهم، وتبرير تهميشهم السياسي والاقتصادي والثقافي، دون الحاجة إلى إصدار قوانين أو قرارات رسمية.
اللغة هنا أصبحت بديلًا ناعمًا للقمع المباشر:
الكلمة تكرّس الشعور بالدونية.
المجتمع يعيد إنتاج الإقصاء.
الدولة تستفيد من الانقسام.
ومع تراكم هذه العملية على مدى عقود، أصبح من الطبيعي أن تجد شابًا من الرقة أو دير الزور يخفي لهجته في العمل أو الجامعة، أو حتى ينكر أصله، فقط ليهرب من التوصيف المهين المرتبط بكلمة “شاوي”. هذه نتيجة لا تُغتفر في دولة تدّعي المساواة، لكنها في الواقع تبني طبقيتها عبر المفردات، وتضبط المجتمع بلسان الناس، قبل يد الأمن.
حين نتابع كيف تحوّلت كلمة مثل “شوايا” إلى رمز للطبقية والازدراء في سوريا، لا يمكن تجاهل دور النظام الحاكم، ليس فقط كجهة سياسية، بل كمنظومة متكاملة تسعى إلى إعادة هندسة المجتمع السوري بناءً على مفاهيم السيطرة والتفكيك المجتمعي. في هذا الإطار، لم تكن الدولة السورية منذ سبعينيات القرن الماضي غافلة عن هذا التمييز اللفظي والاجتماعي، بل كانت طرفًا فاعلًا – ولو بطرق غير مباشرة – في دعم، أو على الأقل، تسهيل ترسيخ هذا المسمى كوسيلة لإدامة الانقسام الداخلي.
أحد أقدم وأبسط أساليب الحكم السلطوي هو سياسة “فرّق تسد”. النظام السوري، منذ ترسيخ حكم حافظ الأسد، تبنّى هذا المبدأ كأداة لإحكام القبضة على المجتمع. بدلًا من بناء هوية وطنية جامعة تقوم على المساواة، سعى النظام إلى تكريس اختلافات مناطقية وطائفية وطبقية، بحيث يبقى الجميع في حالة تنافس، وتظل السلطة وحدها ضامنة “للاستقرار”.
في هذا السياق، ظهر دعم النظام للانقسام الاجتماعي بوضوح من خلال:
عدم التدخل في خطاب الكراهية الشعبي، مثل مصطلح “شوايا”، وتركه ينتشر بلا رد فعل رسمي.
توظيف الصور النمطية في الإعلام الحكومي والدراما، دون أي محاولة لتصحيحها أو موازنتها.
التوزيع الأمني والعسكري للمناصب بطريقة مناطقية وطائفية منحازة.
إهمال التنمية في مناطق وادي الفرات رغم ثرواتها النفطية والزراعية، مما يعمّق الفجوة بين “المركز” و”الهامش”.
رغم أن مناطق مثل دير الزور والرقة والحسكة تُعد من أغنى المناطق السورية بالثروات الطبيعية، إلا أن هذه الثروات لم تُترجم إلى تنمية حقيقية. بل على العكس، استُنزفت هذه الموارد دون أي استثمار في البنية التحتية، التعليم، أو الصناعة المحلية. هذا الإفقار المنهجي لم يكن نتيجة ضعف إداري فحسب، بل جزء من سياسات تهدف إلى منع تشكل طبقة محلية قوية أو نخبة مستقلة قد تطالب بحقوقها أو ترفض الانصياع.
وهنا يأتي دور مصطلح “شوايا” كأداة خفية تساعد الدولة على تبرير هذا التهميش. فحين يُختزل أبناء هذه المناطق في صورة “الجاهل البدائي”، يصبح من الطبيعي – في وعي الدولة والشارع معًا – ألا يتم تمثيلهم سياسيًا، أو تعيينهم في مواقع عليا، أو منحهم نفس الاهتمام التنموي كغيرهم. التحقير الرمزي يُمهّد للتهميش الفعلي.
من خلال هذا التواطؤ غير المعلن، ساعد النظام في تحويل الانتماء المناطقي إلى هوية مشروخة، لا يعتز بها أصحابها، بل يسعون أحيانًا للتخلص منها. فعلى سبيل المثال:
الشاب من دير الزور قد يغيّر لهجته حين ينتقل إلى دمشق.
العائلة القادمة من الرقة قد تفضّل عدم ذكر أصلها في المجالس العامة.
المتعلم من الحسكة قد يُضطر إلى التنازل عن بعض ملامح شخصيته حتى يُقبل في الدوائر الرسمية أو الاجتماعية.
وهذا الشكل من القمع لا يحتاج إلى سجن أو تحقيق، بل يحدث يوميًا في المدارس، والجامعات، وأماكن العمل، وحتى في التفاعلات اليومية. إنه قمع رمزي تم تشريعه شعبيًا، وتغاضي النظام عنه هو نوع من المشاركة الصامتة.
أخطر ما في هذا الدور هو أن النظام حافظ على صورة “الحياد” أمام المجتمع. لم يصدر قرارًا يقول “أهينوا الشوايا”، لكنه سمح بذلك، غذّاه ضمنيًا، ووجّهه حيث يخدم استراتيجياته. فعبر تكريس مصطلحات مهينة كهذه، ضمن النظام أمرين:
كسر تماسك المجتمع الأفقي، بحيث لا تتوحد الطبقات المتشابهة اجتماعيًا (مثل فقراء دمشق مع فقراء دير الزور) بسبب الانقسامات الرمزية.
تحويل الصراع من سياسي إلى اجتماعي، بحيث ينشغل الناس في ازدراء بعضهم، بدلًا من مواجهة السلطة.
بهذا الشكل، لعب النظام السوري دورًا استراتيجيًا في تثبيت مصطلح “شوايا” كمصطلح دوني، لا من خلال قرارات علنية، بل عبر شبكة معقدة من الإهمال المتعمد، التواطؤ الثقافي، والتصعيد الإعلامي السلبي. والنتيجة هي موروث اجتماعي مسموم لا يمكن تجاوزه إلا من خلال التوثيق، والتفكيك، والمجابهة – وهو ما يطمح إليه موقع alshwaya.com اليوم.
لقد مرّ مصطلح “شوايا” في السياق السوري برحلة معقدة من التحول: من وصف خارجي مغاربي، إلى وصمة داخلية محمّلة بالتحقير الاجتماعي، الطبقي، والطائفي. واليوم، بعد كل ما كُشف عن جذور الكلمة، ودورها في إعادة إنتاج التمييز والفرز داخل المجتمع السوري، يصبح من الضروري فتح باب رد الاعتبار والتوثيق، لا كمجرد مبادرة ثقافية، بل كخطوة سياسية وأخلاقية لإنصاف مئات الآلاف من السوريين الذين تم التعدي على كرامتهم وهويتهم من خلال كلمة واحدة.
رد الاعتبار لا يكتمل دون الاستماع إلى أصوات الناس أنفسهم. فقد تحدث كثيرون – بصوت خافت أو غاضب – عن تجاربهم الشخصية في مواجهة هذا المصطلح. منهم من حُرم من فرصة عمل بسبب لهجته، ومنهم من تعرض للتنمر في المدارس، ومنهم من عاش حياة كاملة وهو يُشعر بالخجل من أصله الجغرافي. ومنهم من وصل إلى أعلى الدرجات العلمية أو الوظيفية، ومع ذلك لم يسلم من “النظرة” أو “النكتة” أو “الهمسة”.
هذه الشهادات ليست حالات فردية، بل نماذج حية لما صنعته الكلمة في وعي أجيال كاملة. توثيقها هو أول خطوة في المسار المعاكس لمسار التحقير: مسار إعادة بناء الكرامة، واحترام الأصل، والاحتفاء بالاختلاف.
من الناحية الأكاديمية، فإن كل ما ثبت في الأقسام السابقة من تحليل لغوي وأصولي للمصطلح يُظهر بوضوح أن:
الكلمة ليست من إنتاج البيئة السورية.
لم تستخدم في تاريخ الفرات السوري كوصف ذاتي أو مجتمعي.
دخلت عبر نقل ثقافي مشوّه، ثم أعيد توظيفها اجتماعيًا وإعلاميًا ضمن منظومة تمييز مقصودة.
هذا يعني أن شرعية الكلمة داخل السياق السوري هشة بالكامل، ويمكن نقضها معرفيًا بسهولة، إن توفرت الإرادة للقيام بذلك.
إعادة تعريف المصطلح لا تتطلب فقط رفضه، بل إحلال معنى جديد محله. كلمة “شوايا” يجب أن تُربط بما كانت تعنيه حقًا في شمال أفريقيا: جماعات مستقلة، قوية، متجذرة في أرضها، تحافظ على تقاليدها، وتعيش بكرامة. أو أن يُرفض استخدامها تمامًا كتصنيف مجتمعي، باعتبارها غير دقيقة ومشوّهة، ومبنية على سوء نية.
إعادة التعريف ليست فقط معركة لغوية، بل معركة في الوعي الجمعي. إنها دعوة مفتوحة إلى كل السوريين – من جميع المناطق والطوائف – إلى تحرير لغتهم من مفردات الإقصاء والازدراء. لأن ما يبدأ بكلمة، يمكن أن ينتهي بعنف. وما يُقال على سبيل المزاح، قد يُترجم لاحقًا إلى سياسة، أو شعور بالدونية، أو كراهية دفينة.
alshwaya.com لا يسعى فقط إلى “الرد”، بل إلى بناء بديل معرفي وثقافي، يقوم على التوثيق والاعتراف والمصالحة مع الذات. المشروع يدعو إلى:
فتح باب الشهادات المكتوبة والمصورة من أبناء المنطقة.
جمع الأدلة التاريخية من وثائق وأبحاث.
كتابة رواية مضادة تعيد الاعتبار للكرامة العربية في وادي الفرات.
إنتاج محتوى ثقافي وفني يعيد رسم صورة الفراتي كفاعل حضاري، لا ككاريكاتير.
رد الاعتبار ليس مجرد مطلب أخلاقي، بل حق إنساني ووطني. إنه استعادة لما تم مصادرته على مدى عقود: الكرامة، والانتماء، والتمثيل. وما هذا الموقع، alshwaya.com، إلا حجر الأساس في هذا المشروع التاريخي.
إن أي محاولة جادة لإعادة تعريف مصطلح اجتماعي معقّد مثل “شوايا” يجب أن تنطلق من أساس علمي رصين، يقوم على تحليل الأصول اللغوية، والسياق التاريخي، وخرائط الاستخدام الجغرافي والدلالي. لا يكفي أن نرفض الكلمة أخلاقيًا أو نحتج على استخدامها اجتماعيًا، بل يجب أن نفككها علميًا، ونظهر – بالدليل – أنها كلمة دخيلة، مشوهة، ومستخدمة خارج معناها الأصلي.
كلمة “شوايا” مشتقة من الجذر الثلاثي العربي (ش.و.ي)، وهو جذر واضح في اللغة العربية ويدل على الطبخ بالنار المكشوفة – الشواء. ومع أن هذا الجذر شائع، فإن تحويله إلى اسم علم يُطلق على جماعة بشرية ليس له أي أصل لغوي أو نحوي في اللغة العربية الفصحى أو حتى في اللهجات الشامية.
في المعاجم الكلاسيكية مثل “لسان العرب” و”القاموس المحيط”، لا يوجد أي تعريف لمصطلح “الشاوي” أو “الشوايا” على أنهم جماعة بشرية أو وصف اجتماعي.
لكن في اللهجات المغاربية، وخاصة الجزائرية، نجد أن كلمة “شاوي” تُستخدم للإشارة إلى مجموعة إثنية-ثقافية تُعرف بـالشاوية، وهم سكان منطقة الأوراس من الأمازيغ المعربين، ويتحدثون بلهجة أمازيغية تُعرف أيضًا بالشاوية. هذه الكلمة هناك لا تحمل بالضرورة دلالة سلبية، بل تُستخدم كتوصيف إثني ثقافي (مثل “ريفي” أو “أمازيغي”)، وإن كانت قد تأثرت لاحقًا بالتراتبات الاجتماعية بين الساحل والمدن الداخلية.
ومن هنا نفهم أن الكلمة:
لها أصل في لهجات شمال أفريقيا، لا في سوريا.
تشير إلى جماعة إثنية أو نمط حياة رعوي بدوي.
تحوّلت في بعض السياقات المغاربية إلى وصف اجتماعي، لكنه غير مهين بذاته.
من خلال مراجعة الكتابات والوثائق التاريخية التي تتناول سوريا قبل القرن العشرين، لا نجد أي إشارة إلى وجود كلمة “شوايا” كوصف اجتماعي أو مناطقي. سواء في كتابات الرحالة أو السجلات العثمانية أو حتى الأدبيات الشعبية، لم تُستخدم الكلمة في وصف سكان الفرات أو البادية.
بل إن سكان تلك المناطق، خصوصًا في دير الزور والرقة، كانوا يوصفون بـ”العرب”، أو يُنسبون إلى قبائلهم المعروفة (الجبور، العقيدات، البوسرايا، إلخ). وحتى في المراسلات الرسمية والمصادر الشفهية، لا يظهر هذا المصطلح إطلاقًا.
هذا الغياب يُعد دليلاً قويًا على أن الكلمة دخيلة على الوعي المحلي السوري، ولم تُستخدم إلا في وقت متأخر جدًا، نتيجة لتأثيرات ثقافية واجتماعية خارجية.
أول ظهور واضح للمصطلح في السياق السوري حدث في النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا في:
المجالس الطلابية، حيث استخدمها بعض الطلبة القادمين من المغرب العربي عند احتكاكهم بأبناء الريف الشرقي السوري.
بعض الأوساط الأمنية والإدارية، التي استسهلت التعميم على سكان الفرات بتوصيف “شاوي” باعتبارهم “عشائريين بدائيين”.
الدراما السورية، التي عززت صورًا نمطية غير دقيقة عن سكان الشرق السوري، رغم نفي استخدام الكلمة مباشرة.
لكن استخدام الكلمة لم يكن موثقًا بشكل مؤسسي أو رسمي، بل انتشر شفهيًا، ثم تسلل تدريجيًا إلى وعي الشارع السوري كمصطلح يومي. هذا النوع من التحول اللفظي – من الاستيراد إلى الانتشار – يُظهر كيف يمكن لكلمة غير سورية الأصل أن تتحوّل إلى أداة ثقيلة الوطأة على فئة كاملة من السكان.
في علم اللغة، ما يُعرف بـ**”الانزلاق الدلالي” (Semantic Shift)** هو تغير معنى الكلمة بمرور الوقت واختلاف السياق. وهنا، نرى كيف تحوّلت كلمة “شوايا”:
من توصيف إثني في الجزائر →
إلى مصطلح شعبي في سوريا →
إلى وصمة اجتماعية وطبقية وطائفية تُستخدم ضد فئة محددة من المواطنين.
وهذا التحول في المعنى ليس بريئًا، بل ناتج عن تفاعل مع بنية سلطوية وإعلامية تُعيد إنتاج التراتب الاجتماعي من خلال اللغة.
مصطلح “شوايا” لا أصل له في اللغة أو الثقافة السورية التقليدية.
له جذر مغاربي إثني، تحوّل إلى أداة للتحقير في سوريا بفعل النقل والتشويه.
تم تكريسه في الخطاب الشعبي والإعلامي من دون أي مراجعة لغوية أو اجتماعية.
إعادة تعريفه أو إلغاؤه لا تتطلب فقط احتجاجًا عاطفيًا، بل تفكيكًا علميًا دقيقًا يضع الكلمة في موضعها الصحيح: مصطلح دخيل، مُسيّس، وغير محايد.
بعد كل ما تقدم من تحليل لغوي وتاريخي واجتماعي، تتضح الصورة: كلمة “شوايا” في السياق السوري ليست مجرد مصطلح عابر، بل مشكلة بنيوية في الوعي واللغة والتمثيل. لقد تحولت إلى أداة لإعادة إنتاج التهميش، ومكّنت السلطة والمجتمع معًا من ممارسة نوع من “العنصرية المحلية” المبطنة، التي تفتك بالكرامة الفردية والجماعية لأبناء منطقة كاملة. ولهذا، فإن السكوت عن المصطلح أو محاولات “التعايش معه” ليست خيارًا. نحن بحاجة إلى مواجهة، وإلى إعادة تعريف جذرية.
لأن اللغة ليست محايدة.
لأن الكلمات تصنع الواقع.
ولأن المصطلحات حين تتجذر دون مساءلة، تُنتج ظلمًا مكرسًا على شكل نكات، أو أحكام مسبقة، أو فرص مسلوبة.
كلمة “شوايا” ليست بريئة. لقد أصبحت – بفعل الاستخدام الجمعي المستمر – تمثل كل ما لا يجب أن يُقال عن أي جماعة بشرية: التخلف، الغباء، الجهل، البدائية، القابلية للتهميش، القابلية للوصاية. ولهذا، فإن إعادة تعريفها ليست فقط مهمة لغوية أو ثقافية، بل واجب أخلاقي تجاه مئات آلاف السوريين الذين يحملون هذا الوصف دون أن يختاروه.
نحتاج أن نواجه الكلمة في أصلها، لا فقط في استعمالها. أن نُظهر كيف جاءت، ومتى بدأت، وكيف تغيّر معناها، ومن استخدمها، ولماذا. هذا يتطلب حملات توعية، محتوى بصري، ورواية مضادة في كل مساحة ممكنة: في السوشال ميديا، في الصفوف الدراسية، في الندوات، وحتى في الفن.
الهدف ليس فقط محو الكلمة، بل استبدالها بفهم جديد للهوية الفراتية والعربية الريفية السورية. أن نقول: نعم، نحن من وادي الفرات. نعم، نحن من الريف الشرقي. نعم، نحن عشائريون في انتمائنا، ومتمدنون في حضورنا، ومتجذرون في أرضنا مثل الفرات نفسه. لسنا بحاجة لأن نغيّر لهجتنا، أو أسماءنا، أو شكلنا، لنحصل على الاحترام. الاحترام حق لا منّة.
موقع alshwaya.com هو حجر الأساس في هذا المشروع. عبره يمكننا:
نشر مقالات تحليلية وتاريخية.
تقديم شهادات صوتية ومصورة من أبناء المنطقة.
إنتاج فيديوهات قصيرة تنسف الصور النمطية.
ترجمة هذا الخطاب إلى لغات أخرى: الإنجليزية، الفرنسية، التركية… لإيصال صوت الفراتيين إلى العالم.
بناء أرشيف رقمي مفتوح يحفظ الذاكرة الجمعية وينقل الحقيقة لأجيال قادمة.
حين نفهم الكلمة، ونفككها، ونُحرج من يستخدمها، تبدأ بفقدان معناها. لا تعود تضحك الناس، ولا تثير الاستعلاء، ولا تخدم السلطة. وهنا فقط يمكن للمجتمع أن يتجاوزها لا بقوة القمع، بل بقوة الوعي.
لأبناء المدن: أن يُراجعوا لغتهم وتعاملهم، وأن يتحلّوا بشجاعة الاعتراف بأنهم ساهموا – عن قصد أو بدون قصد – في إهانة إخوتهم في الوطن.
لأبناء الريف: أن يرفعوا رأسهم، ويفخروا بكل ما ينتمون إليه، ولا يقبلوا أبدًا أن تكون لهجتهم أو منطقتهم أو تاريخهم سببًا في تقليل قيمتهم.
للكتّاب، والمثقفين، والفنانين، والصحفيين: أن يتبنّوا هذا المشروع، ويوسعوا مداه، وينقلوه من الهامش إلى المتن.
للمنفيين والمغتربين من أبناء الفرات: أن يستثمروا في بناء روايتهم، وألا يسمحوا للمنفى أن يكون سببًا في نسيان ما واجهوه.
لا نريد فقط أن نغيّر الكلمة، بل أن نُغيّر ما تُمثّله. نريد أن نحولها من أداة ازدراء إلى نقطة بداية لسردية جديدة، تحترم الناس، وتحفظ كرامتهم، وتُعيدهم إلى مركز التاريخ، لا إلى هامشه.
الهوية الفراتية ليست هامشية، بل مركزية في بناء سوريا: حضاريًا، اجتماعيًا، وقيميًا. ومشروع alshwaya.com ليس مجرد موقع، بل صرخة معرفية ضد التحقير، وضد التهميش، وضد النسيان.
لفهم كيف تم تهجين مصطلح “شوايا” من بيئته الأصلية في شمال أفريقيا إلى بيئة غريبة عنه في المشرق العربي، علينا أولًا تتبع خارطة انتشاره واستخدامه التاريخي. هذه الخريطة لا تبيّن فقط جغرافيا الكلمات، بل تُظهر جغرافيا السلوك الاجتماعي والتحول الدلالي.
في الجزائر، كلمة “شاوي” تشير إلى سكان منطقة الأوراس (Chaoui)، وهي قبائل أمازيغية تتحدث لهجة شاوية خاصة، لكنهم معربون بدرجة كبيرة. الكلمة تُستخدم لوصف الهوية الإثنية أو الثقافية، لا كشتيمة. في أحيان نادرة، قد يُستخدم المصطلح للتمييز بين سكان الجبل وسكان المدن الساحلية، لكن دون شحنة ازدرائية.
في تونس وليبيا، استخدام الكلمة أقل شيوعًا، وقد تشير إلى البدو أو الرعاة، لكنها ليست مصطلحًا مركزيًا في الخطاب اليومي، ولا تُستخدم بانتظام.
بدأ ظهور المصطلح في سوريا تدريجيًا في السبعينات والثمانينات، على نطاق ضيق في الجامعات وبعض الأوساط السياسية والعسكرية، قبل أن ينتشر شعبيًا في التسعينات، ويصل إلى ذروته في 2000–2011، بفعل الدراما والإعلام الشعبي. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، واختلاط السوريين ببعضهم داخل البلاد وفي الشتات، زادت استخداماته على لسان “المتضررين نفسيًا من الثورة”، واستخدم كمصطلح سياسي ضمني أحيانًا.
وهكذا، انتقلت الكلمة من وصف إثني إلى وصمة طبقية وطائفية، لا علاقة لها بأصلها، ولا بمن أُطلقت عليهم أصلًا.
لفهم تأثير مصطلح “شوايا” في السياق السوري والمغاربي، لا يكفي أن نحدد مواقعه الجغرافية فقط، بل يجب تتبعه عبر الزمن، وقراءة كيف تغيّر معناه من حقبة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر. هذا التغير ليس مجرد تدرّج لغوي، بل يعكس تحولات اجتماعية وسياسية عميقة تكشف كيف يمكن للكلمة الواحدة أن تُستخدم كأداة بناء أو كأداة تحقير حسب السياق.
في الجزائر، استخدمت الكلمة “شاوي” أو “شوايا” للإشارة إلى سكان منطقة الأوراس، من الأمازيغ المعربين. الكلمة لم تكن تحقيرية بذاتها، بل مرتبطة بالهوية المحلية واللغة الشاوية.
في تونس وليبيا، لم تكن الكلمة شائعة جدًا، لكنها ظهرت أحيانًا للإشارة إلى البدو أو الرعاة، دون شحنة سلبية واضحة.
الاستخدام ظل محصورًا داخل السياق الثقافي المحلي، ولم يكن مصطلحًا شائعًا خارج تلك الأقاليم.
قبل 1960s: لا يظهر المصطلح إطلاقًا في أي من الأدبيات السورية أو الشفهية الشعبية. لم يكن معروفًا، لا في دير الزور، ولا في دمشق.
1960s–1970s: بدأ استخدام المصطلح على نطاق محدود في أوساط جامعية وسياسية، خاصة بعد وجود طلاب من الجزائر وتونس في الجامعات السورية.
السبب الأساسي: تشابه أنماط العيش بين الشاوية المغاربة والعشائر الفراتية السورية (الرعي، القبلية، اللهجة غير الدمشقية).
انتشر المصطلح شفهيًا بين الشباب، في المدن الكبرى (دمشق، حلب)، وأصبح يُستخدم لوصف أي شخص قادم من الرقة أو دير الزور.
بدأ يأخذ دلالات سلبية: بدائي، جاهل، غير مثقف، عنيف، غليظ.
أصبح من الطبيعي سماع المصطلح على ألسنة الناس، حتى في نكات التلفزيون والمسرح.
ترافق ذلك مع التوسع في استخدامه من قبل عناصر أمنية وإدارية ضمن عقلية تصنيف السوريين بناءً على لهجتهم أو مظهرهم.
مع تصاعد دور الدراما السورية، ترسخت الصورة النمطية للرجل “الريفي – الشاوي” ككاريكاتير، خصوصًا في الأعمال الكوميدية.
في فترة ما قبل الثورة السورية (2005–2010)، أصبح المصطلح مستقرًا كشتيمة طبقية، يُقال بشكل ساخر عن أي شخص يفتقر إلى “المدنية” أو “التحضّر”.
بعد 2011، ومع اندلاع الثورة، بدأ يظهر استخدام المصطلح بطريقة طائفية ضمنية، كأداة لتشويه صورة المكوّن السني الشرقي، واتهام الريفيين بـ”الجهل والثورة والدموية”، وكأنهم مصدر الفوضى.
في دول اللجوء والشتات، وخصوصًا في أوروبا وتركيا، بدأ المصطلح يظهر من جديد بين السوريين أنفسهم، في نقاشاتهم اليومية، بل أحيانًا في صراعاتهم الداخلية.
المفارقة أن السوريين من خلفيات حضرية كانوا يكررون المصطلح المهين عن ريفيي بلدهم حتى في الغربة، وكأن الاغتراب لم يحررهم من عقد التراتب السوري الداخلي.
في المقابل، بدأت تظهر حركات وكتابات معاكسة تدعو لإعادة تعريف المصطلح أو دفنه، كما في مبادرة alshwaya.com.
المرحلة الزمنية | المنطقة الجغرافية | معنى المصطلح |
---|---|---|
ما قبل 1960 | شمال أفريقيا فقط | توصيف إثني/ثقافي |
1960–1980 | سوريا (جامعات وأوساط ضيقة) | تشبيه اجتماعي بسيط |
1990–2000 | سوريا (مدن كبرى) | ازدراء طبقي – رمزي |
2000–2010 | الإعلام والدراما | سخرية شعبية وتحقير مباشر |
2011–2015 | الثورة السورية | ربط بالمناطقية والطائفية |
2015–اليوم | الشتات السوري | إعادة إنتاج اجتماعي – مقاومة ناشئة |